أدلى وزير الإعلام السعودي عواد بن صالح العواد بتصريحات قبل أيام يرحب فيها باسم المملكة «بجميع المسلمين» ويشدّد على الرفض «القاطع» لبلاده «لمحاولات تسييس الحج أو استخدامه لأغراض تعكر صفو هذه العبادة».
والحال أن هناك أسبابا كثيرة تدلّ على تهافت هذه التصريحات وتناقضها الصارخ مع مضمونها، فالسلطات السعودية، كما تبيّن أمثلة كثيرة لا تسمح لـ«جميع المسلمين» بالحج، وهي تفعل ذلك بطرق تسيّس هذه الشعيرة الإسلامية المقدسة وتستخدمها «لأغراض تعكر صفو هذه العبادة»، وهو عكس ما قاله وزير الإعلام السعودي بالضبط.
والحقيقة أن استخدام الحرم المكي كورقة ضغط سياسية ليس بدعة جديدة فهو يعود لبداية تأسيس الدولة السعودية حين كان مؤسس المملكة، عبد العزيز آل سعود، أميرا على نجد، واتهم حاكم مكة آنذاك، الشريف حسين، بمنع الحجاج القادمين من نجد من الوصول لمكة، وأتبع ذلك بإعلان الحرب ضد الحجاز والسيطرة على مكة والمدينة.
أحد الأمثلة الكبرى الأحدث لهذا التسييس هو منع السعودية حجاج قطر، وللسنة الثانية، من الوصول إلى بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج، وذلك استكمالا للحصار البرّي والجوّي والبحري الذي تمارسه الرياض ضد الدوحة، بشكل يجعل تطبيق هذا الحصار أهمّ لدى حكام المملكة من تطبيق شعائر الله.
إضافة إلى هذا المنع فقد حمّلت وسائل إعلام السعودية ودول الحصار قطر نفسها المسؤولية وزعمت أنها هي التي تمنع مواطنيها من الحج، وهو أمر يحتاج إلى بعض النقاش لتبيان بهتانه، فسلطات السعودية، وحسب صحف أجنبية بينها «لوموند» الفرنسية، استخدمت ورقة الحج أيضا في ضغطها على دول أفريقية ذات أغلبية مسلمة لدفعها لقطع علاقاتها مع قطر ووجهت تهديدات مبطنة لتلك الدول بتعقيد إجراءات الحصول على التأشيرة للحج والعمرة، أو تسهيل وصول حجاجها للأراضي المقدسة مقابل الوقوف ضد قطر.
وزارة الحج والعمرة السعودية ادعت عدم تمكين دولة قطر المواطنين والمقيمين فيها من الحج والعمرة وخصصت رابطا إلكترونيا لطالبي الحج، وهو تصريح يناقض نفسه بنفسه ايضاً لأن السلطات السعودية لم تفتح المنافذ البرية والجوية أمام الحجاج القطريين، كما أنها لا تضمن عدم معاملة أولئك الحجاج معاملة قطريين ذهبوا للعمرة أو لمتابعة شؤون عقاراتهم فتعرض بعضهم للاختفاء القسري والتعذيب والضرر والاستيلاء على أموالهم وأملاكهم.
من الأمثلة الأخرى الحديثة المعيبة منع السعودية للحجاج الكويتيين من فئة «البدون» (وهم يمثلون 10٪ من سكان الكويت)، كما أن سلطاتها اعتقلت معتمرين ليبيين من المعارضين للجنرال خليفة حفتر خلال أدائهما مناسك العمرة، وحين حاول بعض القطريين الذهاب لمكة لأداء العمرة هذا العام تم إيقافهم ومساءلتهم ومعاملتهم بطرق مهينة وإرجاعهم من حيث أتوا، ووجهت السلطات السعودية في مطار جدة بعدم إركاب أي مواطن قطري يريد العمرة، وكلها أمثلة لـ«تسييس الشعائر الدينية»، وهو أمر ينتهك المواثيق والأعراف الدولية، ناهيك عن كونه، كما قال أحد الأكاديميين «تعدّيا وجراءة على الله سبحانه وتعالى وليس تسييسا» فحسب.