-->

arrashyd الرشيد arrashyd الرشيد
random

آخر المواضيع

random
arrashyd
جاري التحميل ...
arrashyd

محمد عبده.. عقلنة النص الديني وأثره على التفكير الإسلامي

محمد عبده

محمد عبده.. عقلنة النص الديني وأثره على التفكير الإسلامي

الإسلام.. جاء لإصلاح المعتقدات الدينية والسلوك الإنساني، مقررا أن سعادة الإنسان الدنيوية ونجاته الأخروية في الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح؛ أي في حقيقة الإيمان لا في اسم المعتقد: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:62]. وهذا منعطف نوعي في الإصلاح الديني، إذ كان أهل كل ملة يعتبرون غيرهم ليسوا على شيء: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [البقرة:113] فجاء الإسلام بهذا المنهج الإيماني الأخلاقي، ثورةً على عالم المعتقدات القديمة.

هذا مبدأ كلي.. وهناك تفاصيل تستتبعه، تتداخل معها المؤثرات الاجتماعية، فكان القرآن يتنزل بالقصص والعِبر والتوجيهات والأحكام التي تخدم ذلك المبدأ. ولما أن الأوضاع الاجتماعية تتغير بتغيّر الزمان والمكان؛ فقد احتاج المجتمع المسلم إلى «حركة اجتهادية»، ابتدأت منذ العهد الراشدي، ثم تطورت حتى نهاية القرن الرابع الهجري، وتتوجت بنظرية معرفية للتفكير الإسلامي ذات ثلاث شعب: الرواية، وأصول الفقه، وعلم الكلام، وهذه هي «مرحلة التوهج المعرفي» لدى المسلمين، وفيها نشأت المذاهب الإسلامية، ولا غروَ في هذا التوهج إذ كان قبضة من أثر الرسول.

ثم دخل الفكر الإسلامي «مرحلة الجمود»، التي لم يشعر بها المسلمون، ولبثوا في كهف سباتهم حوالي تسعمائة سنة، لم تتطور هيكلة دولهم وبُنية مجتمعاتهم كثيرًا، فاستطاعت تلك النظرية المعرفية -بما لها وعليها- أن تمد المسلمين بالأجوبة الوجودية والفكرية والفقهية والأخلاقية. ولكن ما إن نهض الغرب نهضته الكبرى، وبسط نفوذه في العالم بآلته الاستعمارية المتدرعة بالنار والمتذرعة بالعلم، حتى تفاجأ المسلمون بأن هناك تغيرات كبيرة في العالم، امتد تأثيرها إليهم، وأنه لا بد لهم من إعادة النظر في مناهجهم القديمة، فانطلقت مرحلة مراجعة الموروث وتحرير الفكر؛ عرفت بـ«الانبعاث الإسلامي»، ابتدأت منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وكان من رادتها محمد عبده وأستاذه جمال الدين الأفغاني(ت:1897م). المقال.. يتحدث عن عقلنة عبده النص الديني، وأثره على المسلمين.

محمد عبده حسن خيرالله.. فقيه وقاضٍ ومفكر مصري، ولد عام 1849م، وتوفي 1905م، عاش عمرًا قصيرًا، لكنه مثرٍ بأعماله ومديدٌ بأثره، فالتفكير الإسلامي.. بعده ليس كقبله، فقد أصبح مصبوغا بمداد عقله وممهورا ببصمة تفكيره. جاء عبده وسُدَف الاستعمار تخيّم على ديار المسلمين، ومصر ترزح تحت وطأة الاستعمار الإنجليزي الذي أعقب الاستعمار الفرنسي. كما أن الدولة العثمانية قد شاخت وشرعت في تفسخ مفاصلها، حتى نعتت بـ«الرجل المريض». ومحمد عبده.. قبل أن يقدم رؤيته للمسلمين هو ذاته كان يبحث عن رؤية لنفسه، حيث بدأ متعلمًا بالطريقة التقليدية وفقا للدروس الأزهرية، في جامع الأحمدي بطنطا، لكنه نفر منها، فانصرف عن نهر العلم وغاص في بحر الحياة، لولا أن خال والده المتصوف درويش خضر تداركه، فأعاده إلى الدراسة، وكان يتخوله بالمتابعة والتربية، حتى نفث في روعه روحًا من تصوفه، ثم ما لبث أن انضم إلى الأزهر.

وجد محمد عبده المسلمين على ثلاثة توجهات متنافسة: توجهين آفل نجمهما.. فقه جامد وتصوف مخدِّر، جمّدا العقول، حتى لم تعد مدركة لزمنها. وتوجه مفتون بالحضارة الغربية؛ منساق وراءها، لا يرى في الدين إلا ماضيًا أثقل كاهل الحياة عن تقدمها. وبينما عبده يرقب هذا التنافس البعيد عن ساحة الواقع والمجدب من مقتضيات العقل؛ إذ طلع عليه جمال الدين الأفغاني فيلسوف الشرق والثائر على الأنظمة القديمة، فاتخذه أستاذا له، فأخرجه من أوهام الماضي، وحرّر عقله بمفاتيح الفلسفة والعقل، ونبهه على قضايا السياسة وحبائلها. فعملا معًا، واشتغلا بالسياسة، وكان عبده ممن أسس «الحزب الوطني» وكتب دستوره؛ الذي جاء في مواد تعريفه بأنه (حزب غير ديني)؛ أي غير منحاز لدين بعينه، ولمّا فشلت الثورة العرابية عام 1882م نفي من مصر، فاتجه إلى لبنان، وألقى هناك دروسه، ثم تبع أستاذه الأفغاني إلى باريس، فأسسا «جمعية العروة الوثقى» عام 1885م، وأصدرا مجلة «العروة الوثقى».

لم يلبث محمد عبده طويلا حتى تبيّن له بأنه لم يُخلق ليردد أقوال الفقهاء، أو يتواجد مع همهمات المتصوفة، أو يخوض مغامرات الساسة، بل وجد نفسه في ميدان إصلاح التفكير الديني. غير أنه لم يتجاوز في إصلاحه النظرية المعرفية القديمة، فقدّم رؤيته على ضوئها، وانتقدها، وأعاد صياغة كثير من مقولات الفقه وعلم الكلام. وإن كان عبده لم يتجاوز هذه النظرية؛ فإنه كذلك لم يأتِ بأداة جديدة في عملية الإصلاح، بل عمد إلى أداة عقلية مستعملة لدى المسلمين؛ منذ الصدر الأول للإسلام فتبناها، وهي التأويل، وبما أن التأويل منساح بين المدارس الإسلامية؛ فإنه مال به إلى مدرسة الرأي الاعتزالية، ولذلك؛ قام التأويل لديه على ثلاثة عناصر؛ كانت معتبرة عند المعتزلة:

- القرآن.. التنزيل الإلهي المبين، وهو مجمع عليه بين المسلمين، وقد تعامل معه على أساس «الوحدة الموضوعية» من غير تعضية الآيات، أي بالرجوع إلى ما يدل عليه مجموع الآيات، وليس بإنزال الحكم أو الاستنباط من آيات مقتطعة من سياقها.

- البيان العربي.. لسان التنزيل، فتقيّد في تأويله القرآن بالدلالة البيانية للعربية، ولم يتجاوز ما ترسّم في معاجم اللغة ودواوين الشعر وأسفار النثر.

- العقل.. أداة الفهم، وقد دعا القرآن نفسه إلى تعقله وتفقه آياته. بيد أن المسلمين هجروا مقتضيات العقل دهرًا، حتى هيمنت عليهم الخرافات وأحاطت بهم الأوهام، فعمل عبده على ردهم إلى تدبر القرآن. ومع ذلك؛ لم يكن في تدبره منفلتًا من دون قيد، بل جعل العنصرَين السابقَين ضابطيه في تأويل النص الديني والاستنباط منه.

محمد عبده.. قدّم الكثير من الآراء الإصلاحية، وقد انصبّ إصلاحه على التوفيق بين النص القرآني وحركة الواقع ومقتضى العقل، فالتأويل لديه.. لم يكن صوفيًّا شاطحًا، ولا باطنيًّا مُغْرِبًا، ولا فلسفيًّا محضًا، بل أعاد قراءة النص وفق تفكير العقل في الواقع؛ بما تسمح به اللغة.

والسؤال: هل نجح محمد عبده في مشروعه الإصلاحي؟

النجاح.. لا يعني تمثّل المشروع ذاته، أو تبني آراءه. بل فيما يقدم من رؤية جديدة للحياة، تنتقل بالأمة إلى مرحلة أفضل من التفكير والعمل. ورغم أن رحيل عبده منذ 118 سنة؛ فإننا لا نستطيع أن نحكم بنجاح مشروعه أو فشله، وذلك؛ أن شجرة الإصلاح قد تأخذ قرونًا حتى تؤتي ثمارها؛ كما حصل في الإصلاح الكنسي بالغرب، لكننا حتى الآن نلاحظ نتيجتين حاسمتين:

- تشظي التفكير المسلم.. فقد ظهرت بعد محمد عبده عشرات التوجهات الفكرية في التعامل مع النص الديني؛ سواءً القرآن أم الرواية النبوية، وما زال العقل المسلم يعيش هذا المخاض، دون أن يتمخض عن مدرسة فكرية متماسكة، يمكن أن تقدم للمسلمين نظرية معرفية جديدة تتجاوز النظرية التقليدية التي انتهى زمانها.

- النكوص السلفي.. الذي قذف بالمسلمين خارج فلك عصرهم، بل أدى إلى موجة عنف ما زالت تعصف بالمسلمين، ومن المفارقة؛ أن تلميذ عبده وناقل علمه محمد رشيد رضا(ت:1935م) أول الداعين إلى الرجوع للمنهج السلفي.

وهذا يعني؛ أن عقلنة النص الديني عبر آلة التأويل ليست هي الدواء الناجع لداء الأمة المزمن، ومع ذلك؛ فإن حركة الإصلاح أيقظت المسلمين من نومهم العميق، وأدركوا حقيقة موقعهم في خريطة العالم، وزرعت فيهم الرغبة لمعالجة أوضاعهم: الفكرية والسياسية والاجتماعية والعلمية.


أهم مؤلفاته


  • رسالة التوحيد.
  • تحقيق وشرح "البصائر القصيرية للطوسي".
  • تحقيق وشرح "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" للجرجاني.
  • الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية (رد به على إرنست رينان سنة 1902م).
  • تقرير إصلاح المحاكم الشرعية سنة 1899م.
  • شرح نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب
  • العروة الوثقى مع معلمه جمال الدين الأفغاني.
  • شرح مقامات بديع الزمان الهمذاني


من تلامذته


  • محمد رشيد رضا
  • شاعر النيل حافظ إبراهيم الذي قال مرثيته راسما فيها صورة صادقة جياشة لشخصية العالم المخلص وقد أدار حافظ قصيدته على محاور تقوى الإمام وصبره على ما ابتلي به من أذى الحاقدين وموقفه التاريخي في دحض أباطيل المستشرقين وتفسيره للقران الكريم. ففي وصف فضيلة الصبر يقول مخاطبا الإمام:
  • الشيخ الشهيد عز الدين القسام والذي كان أول من نادى بالثورة على الإنجليز والصهاينة وتحرير فلسطين من بين أيديهم.
  • شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي
  • شيخ الأزهر مصطفى عبد الرازق
  • شيخ العروبة محمد محيي الدين عبد الحميد
  • سعد زغلول
  • قاسم أمين
  • محمد لطفي جمعة
  • طه حسين


تجميع لأعماله

  • الأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده (في خمسة أجزاء)، تحقيق الدكتور محمد عمارة، نشر دار الشروق.
  • سلسلة الأعمال المجهولة: محمد عبده، تحقيق الدكتور علي شلش، نشر دار رياض الريس.
  • ديوان الإمام محمد عبده، تحقيق الأستاذ ماجد صلاح الدين، نشر دار الفكر الإسلامي.

خميس بن راشد العدوي كاتب عماني مهتم بقضايا الفكر والتاريخ ومؤلف كتاب «السياسة بالدين»

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

زوار المدونة

زوار المدونة

إحصاءات المدونة

جميع الحقوق محفوظة

arrashyd الرشيد

2016