أخر الاخبار

الغباء المنظم: الوباء الخفي الذي يهدد الحضارة

الغباء المنظم: الوباء الخفي الذي يهدد الحضارة


الغباء الذي يرتدي معطف العقلانية

ليس الغباء التقليدي هو الخطر الأكبر، بل ذلك النوع الذي يتخفّى وراء البلاغة والشهادات العلمية. إنه الغباء الذي يقتنع بأنه يحقق الخير، فيتخلى عن النقد الذاتي، ويصبح أداة طيعة في يد الأيديولوجيات أو السلطات. هذا النوع من الغباء لا يعكس نقصًا في الذكاء، بل تعطيلًا متعمدًا للتفكير.

التاريخ يشهد: عندما يتحول المثقفون إلى أدوات للجهل

في زمن النازية، رأى اللاهوتي الألماني ديتريش بونهوفر كيف انحنى المثقفون والأطباء وحتى رجال الدين أمام النظام الفاشي. لم يكونوا جهلة، بل تخلوا عن مسؤولية التفكير باسم الولاء أو الخوف. اليوم، تتكرر هذه الظاهرة بأشكال جديدة: أساتذة ينشرون نظريات مؤامرة، وآباء يرفضون اللقاحات باسم الحماية، ومواطنون يتبنون آراء متطرفة دون تمحيص.

الغباء الوظيفي: عندما يصبح التوقف عن التفكير "خيارًا عمليًا"

الغباء لا يحتاج إلى جهل، بل يكفي أن تتوقف عن التساؤل. في عصر التكنولوجيا، تُصمم الخوارزميات لتعزيز العواطف بدل العقل، فتنتشر الأكاذيب أسرع من الحقائق لأنها تقدم تفسيرات بسيطة لمشاكل معقدة. كما كتب ماكيافيلي: "البشر يحكمون بأعينهم لا بأيديهم". السلطة لا تحتاج إلى قمع الأفكار، بل إلى إغراق الناس بالتعب والمحفزات حتى يتخلوا عن التفكير.

التكلفة الخفية: كيف يدمر الغباء المنظم الإنسانية؟

أثناء "هستيريا السحر" في سالم، أو خلال الثورة الثقافية الصينية، دفع الناس ثمنًا باهظًا عندما استبدلوا الحكم النقدي بالانتماء الأعمى. اليوم، يُكافَأ من يكرر الشعارات، بينما يُعاقب من يشك أو يتساءل. الغباء المنظم لا يقتل الأجساد فحسب، بل يقتل الروح الإنسانية التي تُعرِّفنا: القدرة على التمييز بين الحق والباطل.

المقاومة: التفكير كفعل ثوري

المقاومة تبدأ بخطوات بسيطة:

  1. التوقف قبل المشاركة: اسأل نفسك: "لماذا أريد نشر هذا؟ هل بدافع الغضب أم الخوف؟".

  2. مواجهة الأفكار المعاكسة: اقرأ آراء تتعارض مع قناعاتك لا لترفضها، بل لتفهمها.

  3. الصمت الإيجابي: خصص وقتًا يوميًا بعيدًا عن الضوضاء لاستعادة الوضوح.

  4. التواضع الفكري: تذكّر دائمًا أنك قد تكون مخطئًا.



هل أنت مستعد لدفع ثمن التفكير؟

كما كتب بونهوفر: "الشر يمكن مواجهته، لكن الغباء يُعجِزنا". المعركة الحقيقية ليست ضد الجهل، بل ضد الاستسلام للراحة الفكرية. في عالم يبيع اليقينيات الجاهزة، يصبح التفكير فعلًا منافيًا للقطيع. السؤال ليس هل أنت ذكي بما يكفي، بل هل أنت شجاع بما يكفي لتفكر حين يختار الجميع الطاعة؟



 
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-