أخر الاخبار

هل يمكن للإنسان أن يتصل بالجن أو بالملائكة؟

 هل يمكن للإنسان أن يتصل بالجن أو بالملائكة؟  


شريف السليماني


يدعي الكثير من الناس أنهم يرون الجن ويتحدثون إليهم. ويذهب آخرون أبعد من ذلك فيقولون إنهم يقومون بإحضار الجن متى شاءوا ليقوموا بخدمتهم. بل قد شاهدت بنفسي عبر إحدى القنوات التلفزية رجلا يزعم أنه متزوج من جنية وقد أنجب منها ولدا… فهل هذا ممكن بالفعل؟ هل يمكن للإنسان أن يرى الجن أو الملائكة أو يتحدث إليهم أو أن يتصل بهم بأي شكل من الأشكال؟ هذا ما سأحاول الإجابة عنه من خلال هذه المقالة السابعة ضمن سلسلة “الجن لا يسكن الأبدان .. وهكذا أرى علاقته بالإنسان”. ولتذكير القارئ الكريم بالغاية من وراء الكتابة في هذا الموضوع وأنه ليس من باب الترف الفكري أو عشقا في عالم الجن، أعيد نشر هذه الفقرة من المقالة الأولى ضمن هذه السلسلة حيث قلت: “إن انتشار الشعوذة بشكل فظيع في مجتمعاتنا واعتماد الكثيرين منا -مع الأسف- طرقا ووسائل غير علمية ولا صحية للعلاج في وقت يشهد فيه الطب بشتى تخصصاته تقدما باهرا، له علاقة بتصورات الناس الخاطئة حول الجن وعلاقتهم بالإنسان وما مدى تأثيرهم في حياته. وإن أي جهد من أجل تصحيح هذه الصورة ووضع العلاقة بين الجن والإنس في إطارها الصحيح، من شأنه أن يساهم في انخفاض ظاهرة الشعوذة والخرافات ليقبل الناس على الوسائل الطبية العلمية ويعتمدوها في تشخيص وعلاج الظواهر والأعراض الجسدية والنفسية والاجتماعية”.


أقول: إن الإيمان بوجود الجن كما الملائكة من الغيبيات وإن كل ما يتعلق بالغيب إنما يرجع فيه إلى الوحي باعتباره المصدر الوحيد لكل ما هو غيب. فالإيمان بالغيب من أساسيات الدين ولا يمكن أن يكون مؤمنا حقا من لا يؤمن بالغيب، شريطة أن يكون الإخبار بهذا الغيب تم بنص واضح الدلالة من القرآن أو من صحيح السنة.


فكل ما ثبت بصفة قطعية في القرآن أو في صحيح السنة من نصوص تتعلق بالجن والملائكة وكل الغيبيات، لا بد للمسلم أن يسلّم به. واشتراط إدراك كل الغيبيات بالعقل للإيمان بها، نوع من العبث. فعقل الإنسان محدود الطاقة والاستيعاب كما هو الشأن بالنسبة لباقي حواسّه. وبناء عليه، فلا يجوز لمسلم أن يناقش مسألة وجود الجن والملائكة أو أن يشكّك فيها. لأن في ذلك تكذيبا وإنكارا لعشرات وربما مئات الآيات من القرآن الكريم. أقول هذه لأن البعض وبدعوى احترام العقل والعلم وإنكار للخرافة، تجاوزوا الحدود وأنكروا النصوص القطعية الثبوت الواضحة الدلالة. وهذا مسلك لا تؤمن عواقبه لا على مستوى الفرد ولا على مستوى الأمة.


بالعودة إلى موضوع المقالة أقول: إن اتصال الإنسان (غير الأنبياء) بالجن والملائكة في حال اليقظة إما عن طريق الرؤية بالعين أو عن طريق التحدث إليهم، أمر أثبتته الكثير من النصوص الشرعية. ورغم كثرة النصوص التي تثبت هذا الأمر، إلا أنني سأكتفي بالوقوف مع حديثين اثنين فقط، وذلك تجنبا لطول المقالة، وأيضا لأن ما يستنتج من هذين الحديثين هو نفس ما يمكن استنتاجه من باقي النصوص الأخرى الواردة في الموضوع. لكن قبل ذلك ،أرجو من القارئ الكريم أن لا يستعجل الاستنتاج وأن لا يأخذ الحكم من الحديثين قبل أن يُتمّ قراءة المقالة وبالتالي الوقوف على نتيجة المناقشة.


الحديثان اللذان اخترت الوقوف معهما هما:


الحديث الأول: وهو جزء أخير من حديث طويل مشهور لأبي هريرة رضي الله عنه يحكي فيه قصته مع الشيطان إلى أن قال في آخر الحديث: (…فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟” قَالَ لَا، قَالَ: ” ذَاكَ شَيْطَانٌ”). الحديث رواه البخاري وغيره.


هذا الحديث الصحيح الصريح يثبت أن أبا هريرة رضي الله عنه رأى الشيطان وتحدث إليه أيضا، بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم.


الحديث الثاني حول رؤية الملائكة: وهو حديث جبريل المشهور. ولطول الحديث فسأسوق منه ما له علاقة بموضوع المقالة فقط، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ…” إلى أن قال في آخر الحديث:(…ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي (الرسول صلى الله عليه وسلم): “يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟” قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: “فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ”. رواه البخاري ومسلم.


هذا الحديث أيضا يثبت أن بعض الصحابة رضي الله عنهم ومن بينهم عمر رأوا جبريل وسمعوا حديثه وذلك بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الأول.


من خلال هذين الحديثين ومن خلال غيرهما من الأدلة فإن رؤية الإنسان للجن والملائكة والتحدث إليهم في حال اليقظة مسألة قد ثبتت بالفعل.


ومع ثبوت هذا الأمر فيما مضى وبالضبط في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن ادعاء الاتصال بالجن والملائكة بعد تلك الفترة أمر مردود على صاحبه ولا يمكن تصديقه أبدا، وذلك للسبب التالي:


ففي الحديث الأول، لما رأى أبو هريرة الشيطان وتحدث إليه حسبه إنسانا وتعامل معه على أنه إنسان ولولا إخبار الرسول بأن الذي رآه أبو هريرة شيطان وليس إنسانا، لبقي أبو هريرة على اعتقاده فيه معتبرا إياه إنسانا.


نفس الشيء بالنسبة للحديث الثاني، حيث يقول عمر رضي الله عنه : “…إذ طلع علينا رجل..”، هنا أيضا لما رأى الصحابة جبريل حسبوه رجلا، ولولا إخبار الرسول لهم بأن الذي طلع عليهم ملك وليس رجلا، لظلوا على اعتقادهم فيه أنه رجل.


والخلاصة أن الذي أثبت وأكد اتصال أبي هريرة بالشيطان (الجن) ورؤية عمر للملك هو الرسول الموحى إليه. وبدون هذا الإثبات وهذا التأكيد والشهادة النبوية، لم يكن ممكنا تصديق هذا الأمر. فنحن البشر، لا نعرف صفة ولا شكل الجن ولا الملائكة على الحقيقة وليست لدينا صور ذهنية عن هذه العوالم الغيبية لنقيس عليها ما قد نراه أو نسمعه أو ما يحكي لنا الغير أنه رآه أو سمعه فنصدقه أو نكذبه. وبالتالي ،لا نستطيع أن نجزم بأن هذا الذي شوهد أو تُحُدث إليه فعلا جني أو ملك. الذي يستطيع إثبات ذلك هم الأنبياء عليهم السلام لما اصطفاهم الله به من وحي وما خصهم به من إظهار على بعض الغيب. وما دام سيدنا رسول الله الذي هو آخر الأنبياء قد مات منذ مئات السنين وانقطع بالتالي بموته اتصال الأرض بوحي السماء، فإن دعوى الاتصال بالجن والملائكة إما عن طريق الرؤية أو الكلام أو غيرها من طرق الاتصال المادي تبقى دعوى بلا دليل. ولأن المسألة من الغيبيات فلا بد أن يكون الدليل عليها وحيا، والوحي قد انقطع. وعليه، فلا يمكن لأحد أن يثبت هذا الاتصال أبدا. وبتعبير آخر، أقول لكل من يدعي رؤية الجن أو الملائكة أو التحدث إليهم: لن أصدقكم إلا بشرط وحيد: أن يشهد لدعواكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما شهد لأبي هريرة وعمر في الحديثين. ومادامت شهادة الرسول مستحيلة، فإن تصديق دعواكم أيضا أمر مستحيل.


كان هذا فيما يخص الاتصال بالجن والملائكة عن طرق الرؤية أو عن طريق الكلام. وإذا كان مجرد رؤية الجن أو التحدث إليهم لا يمكن تصديقه كما سبق، فمن باب أولى عدم تصديق من يدعي الزواج من الجن أو إحضارهم وتسخيرهم في خدمته. لقد شاع بين الناس مثلا، أن إتيان بعض الأعمال الإجرامية وارتكاب بعض المخالفات الشنيعة كقتل الأطفال وتدنيس المصحف بالنجاسة، يمكّن فاعله من الاتصال بالجن وتسخيرهم. مما دفع بعض البله المغفلين والمجرمين في نفس الوقت إلى القيام ببعض تلك الأعمال الشنيعة (وما نبأ مدنّسة المصاحف منا ببعيد)! ولست أردي بناء على أي أساس ساد هذا الاعتقاد بين الناس، رغم أن الوقائع تنفيه تماما، إذا أن أحوال كل هؤلاء الذين يدّعون تسخير الجن تكذّب دعواهم. ولو كانت دعواهم صادقة، فلم لا يستعملون خدّامهم من الجن في إخراج الكنوز من باطن الأرض والدلالة على أماكن أموال الناس المخبأة أو على الرموز السرية للخزائن المليئة إما بالذهب أو بالمال أو بالوثائق واللوحات الثمينة التي قد لا تقدر بثمن؟ كيف يدلّهم هذا الجن المزعوم على الأماكن السرية التي يدفن فيه السحر فيستخرجونه بمساعدتهم كما يدّعون، بينما لا يدلهم على أماكن المال والمجوهرات مثلا؟ مع العلم أن معظم هؤلاء الذين يدّعون تسخير الجن يعيشون في فقر مدقع وفي حالة تستدعي شفقة العدو قبل الصديق، كما أن طمعهم وحبهم للمال باد للعيان.


ومن يدري؟ لعل بنود عقد الشغل التي يبرمها هؤلاء مع عمّالهم من الجن تتضمن أن يقوم الجن بكلّ الخدمات ما عدا جلب المال! لكن لا عليهم، فالأمر سهل، وإذا عجز “الخدام” المزعومون من الجن عن إحضار المال، فإن الضحايا المغفلين والمستحمرين من بني البشر يقومن بذلك وعلى أحسن حال.


لا تصدقوا إذا من يدّعون رؤية الجن أو سماع أصواتهم ولا تصدّقوا كذلك من يدّعون تحضير الجن أو تسخيرهم. إن هم إلا دجّالون يأكلون أموال الناس بالباطل. أما الزواج بالجن ومعاشرتهم جنسيا، فأعتقد أن سخافة هذه الدعوى تعفينا من الرد عليها أو مناقشتها. إذ لا يمكن لرجل سوي أن يدّعي معاشرة جنية كما لا يمكن لامرة سوية أن تدّعي معاشرة جني! وإذا حصل وادّعى أحد ذلك، فهو إما كذاب يختلق هذا الأمر من أجل خداع الناس أو مريض -جرّاء ضغط الكبت الجنسي- ما عاد يميز بين الواقع والخيال. وهذا لا يحتاج مناقشة ولا ردا علميا وإنما يحتاج مساعدة اجتماعية وربما نفسية لعله يجد حلا لمشكلة الكبت التي أورته هذه الموارد. ولو وجد أو وجدت منفذا لرغبته العاطفية والجنسية في بني جنسه من الإنس فإنه سيطلق وبالثلاث فكرة معاشرة الجن!


charifslimani@hotmail.com

https://www.facebook.com/charif.slimani.9

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-