أخر الاخبار

العِناد والعِصيان .. تفاعلُ الأطفال إزاء دَلال أو قسوة الآباء

"لا أريد".. هي جملة من كلمتين تلازم الأطفال منذ سنواتهم العمرية المبكرة لتتطور لاحقا إلى رفض للامتثال لطلبات الآباء أو المدرسين، تختلف حدتها من طفل للآخر لتجعل صفة " عنيد" لصيقة بتصرفاتهم والتي قد يلاقون بسببها عقابا قاسيا.

العِناد والعِصيان .. تفاعلُ الأطفال إزاء دَلال أو قسوة الآباء

العِناد والعِصيان .. تفاعلُ الأطفال إزاء دَلال أو قسوة الآباء

وبما أن الطفولة في أي مجتمع من المجتمعات هو ثروة مستقبله؛ وجَب الاهتمام بها ورعايتها حتى تنشأ سليمة معافاة من المشكلات والعوائق التي تحول دون تنمية قدراتها. حيث يرى عدد من المختصين أن التعامل مع المشكلات السلوكية للأطفال يحتاج إلى الفهم العلمي الصحيح لأبعادها ودلالاتها من قبل المربين، آباء أو مدرسين أو موجهين، ومعرفتهم الكاملة بسيكولوجية الطفل، لتتبع مختلف مراحل نموه وإشباع حاجات كل مرحلة حتى يتحقق له التوازن النفسي اللازم.

أنواع العناد..ثلاثة

يقسم الدكتور أحمد أوزي العناد إلى 3 أنواع، يكون أولها على شكل مقاومة سلبية تتجلى في تأخر الطفل في الامتثال للأوامر؛ ثم عناد على شكل تحدي واضح حيث يصيح في وجه أبويه أنه لا يقوم بما طلب منه مع ما يرافق ذلك من غضب للدفاع عن موقفه؛ ثم عناد حاقد يقوم الطفل خلاله بعكس ما طلب منه تماما. كأن يصرخ ويسبب الإزعاج في الوقت الذي نطلب منه أن يهدأ.

لماذا العناد؟

ويرى المتخصص في علم النفس التربوي، أن مشكلة العناد وعصيان الأوامر تعتبر أحد المشكلات التي يواجهها العديد من الآباء والمدرسين في مختلف مراحل نمو أبنائهم، خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة ومرحلة المراهقة، وهما المرحلتان اللتان يشعر فيهما الطفل والمراهق باستيقاظ أناهُ وشعوره الذاتي ويسعي إلى تحقيق كينونته ووجوده الشخصي، مما يدفعه إلى ممارسة كل أصناف السلوك الذي يحقق له هذا المطمح. " فكأن العناد رسالة يوجهها الطفل أو المراهق إلى الآخرين الذين يتعاملون معه، لإخبارهم بوجوده وضرورة الاعتراف به" يقول أوزي.

ويوصي أوزي بعدم وصف الطفل بالعنيد، إلا إذا تم التأكد من أن المحيطين به وفروا له المطلب الأساسي للشعور بشخصيته واستقلالها. وإذا تكرر سلوك الطفل وتمادى في العناد آنئذ فقط، تعتبر تلك المشكلة سلوكية تحتاج إلى الاهتمام بعلاجها النفسي.

العصيان..تعبير صحي

وأفاد الدكتور أوزي لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن العديد من الآباء والمربِّين عموما، كثيرا ما يتساءلون فقط عن الكيفية التي تجعلهم يسيطرون على أطفالهم وجعلهم يقومون بما يطلبونه منهم، دون التساؤُل فيما إذا كان ما يطلبونه من الطفل أو المراهق يتنافى مع رغباته وحاجاته النمائية الأساسية.

" إن الطاعة والإذْعان لا ينبغي أن يكون هدفَ التربية التي تعترف بوجود الآخر وحقه في العيش الكريم وتحقيق ذاته" يقول المتحدث لهسبريس، موضحا أنه إذا كانت فترة السنوات الأولى للطفل تتميز في بعض الأحيان بالطاعة والخضوع والتقبل دون نقاش، فإن السنوات الموالية تحتاج لتحقيق ذلك إلى الحوار والتفاهم حتى يحس كل طرف بمكانته وقيمته.
كما أوصى المتخصص في سيكولوجية الطفولة والمراهقة وعلم النفس المعرفي، بعدم الاستهانة بشخصية الطفل، لأنه كائن مدرك ويقظ. مؤكدا أن جميع الأطفال يعصُون ويدخلون في مواقف العناد والرفض للقوانين المنطقية التي يفرضها الأبوان أو الأساتذة، وقد يصل هذا السلوك إلى ذروته في مرحلة المهد التي يعتبرها البعض " سنوات مزعجة "، ثم يظهر هذا السلوك السلبي من جديد وبقوة في مرحلة البلوغ والمراهقة التي تعتبر بحق مرحلة الرغبة في تكوين الهوية الذاتية. مشددا على ضرورة "النظر إلى كمية معقولة من الرفض وعدم الطاعة العمياء، أي ما يصطلح عليه أحينا بالعناد، بأنه تعبير صحي عن أنا الطفل المتطورة التي تسعى إلى الاستقلالية والتوجيه الذاتي".

الدَّلال والقسوة سبب العناد

وشدد الدكتور أوزي، على أن المشكل يبدأ حين توطَّن نفسية الطفل على العناد، لتغدو شخصيته في المستقبل شخصيةً لها أسلوب العصيان في الحياة والمعاملة. على اعتبار أن الطفل يطور عادة سلبية تجعله يعارض الآراء والمبادئ التي يقترحها الآخرون.
وعن أسباب التنشئة و " التربية " التي تساعد على تفريخ وإنتاج مثل هذا السلوك السلبي، منذ السنوات المبكرة لدى بعض الأطفال، أوضح مؤسس ومدير مجلة " علوم التربية"، أن إتباع الأبوين النظام المتساهل في التعامل مع الطفل وإدلاله بشكل زائد، وعدم النطق في التعامل معه بلفظة "لا " وتلبية كل مطالبه. سبب في العناد، مستطردا بالقول " كما أن القسوة الشديدة والمفرطة في التعامل مع الطفل قد تقوده إلى العناد والعصيان كذلك. فالتسلط يولد العصيان عاجلا أو آجلا. ولأسلوب التربية المتذبذب والمتناقض وعدم اتفاق الأبوان على خطة ونظام موحد في التربية تأثير كذلك على إنتاج العناد".

علاج السلوك السلبي

وعلاجا لهذه الظاهرة السلوكية السلبية، يوصي الباحث بتجنب التطرف في التسلط أو التساهل في تنشئتهم. موجها المربين إلى تبني أسلوب الاعتدال الذي يجمع بين الحب والمنطق وهو ما يمكن تسميته " الضبط الأبوي الحازم". إلى جانب استخدام أسلوب التعزيز الإيجابي مع الطفل، من ثناء وتقدير واستخدام المكافآت المادية التي تعزز السلوك الإيجابي. والعمل باستمرار على تقوية العلاقة معه.
وعدَّد الدكتور قواعد ذهبية في تنشئة الطفل وتربيته ووقايته من العناد والعصيان، أولها متمثل في ربط علاقة وثيقة معه، والاستجابة لحاجاته ومطالبه الأساسية، والنظر إلى الأمور من وجهة نظره، لأنه ، وفق تعبير الدكتور" كلما أكثرنا من التعاون مع الطفل وكنا أكثر حساسية لحاجاته ولعلامات التوتر لديه، كلما كان ذلك أسلوبا لتنمية الطاعة أكثر لديه".

وختم أوزي حديثه لهسبريس بالقول " إن التربية السليمة والناجحة هي تلك التربية التي تتفهم حاجات الأطفال ومكانتهم ومركزهم، فهم لا يحتاجون فقط إلى الكساء والطعام، وإنما يحتاجون قبل ذلك وبعده إلى التقبل والتقدير الذي يشعرهم بالأمن والأمان، حتى يستطيعون العمل والإنتاج".

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-