أخر الاخبار

كيف نحل مشاكلنا - تفويض الأمر إلى الله

كيف نحل مشاكلنا -  تفويض الأمر إلى الله


الرجل يكد ويكدح في هذا العالم وليس له من دنياه إلا ما كتبه الله، فإذا بذل الأسباب واستشار واستخار، فإن الأمر كله لله، 

وتأمل في حال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتحسر على إعراض قومه بعد أن بذل وسعه في دعوتهم، فخاطبه المولى جل وعلا بقوله: }فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ{ [فاطر: 8].

الخطبة الأولى (فوض أمرك لله) ( وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ )

الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد أيها المسلمون

يقول الله تعالى في محكم آياته :

(وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)


وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43)

فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ) (38)، (45) غافر

إخوة الإسلام


إن تفويض الأمر لله : هو إلقاء العبدِ أمورَه كلها إلى الله، وإنزالها به طلباً واختياراً، لا كرهاً واضطراراً.

ومن المعلوم أن التفويض هو روح التوكل ولبّه وحقيقته.

والتوكل على الله ، غير تفويض الأمر لله ، إذ أنّ التوكل إيكال الأمر إلى الله تعالى،

بينما التفويض جعل كل أموره آتية منه وراجعة إليه، وذلك أنه لا يعلم الحِكم المترتبة على كل أموره، فيفوض ذلك إلى الله


وإن المتأمل في الآيات السابقة ، وما جاء على لسان مؤمن آل فرعون حين خشي على نفسه مكر الماكرين من قوم فرعون ، فقال :

(وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ )

فكانت نتيجة تفويض الأمر لله في نفس اللحظة والتو أن ، قال الله تعالى :

(فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ)


فالمؤمن عندما يدعو بهذا الدعاء (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ) يكون قد خرج من حوله وقوته ،إلى حول الله وقوته ،فيأخذ له الله تعالى حقه من الظالمين له ، والمغتصبين لحقه،

فما أجمل أن يفوض المسلم أمره لله ، وأن يلجأ العبد الي الله ،ليستخيره في أمور دينه ودنياه ، وأن يطلب منه المشورة والرأي، فهو عالم الغيب ،وهو من بيده مقاليد الأمور


والأجمل من ذلك كله : أن يستسلم العبد المؤمن تماماً إلي مولاه وخالقه ، ويفوض أمره اليه ، ويوكله في تدبير شئونه ، ويقف بين يديه وقفة العبد الضعيف ،المستسلم الذليل المنكسر ، راضيا بقضائه ، ومستسلما لحكمه ، قال لله تعالى:

{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (الأحزاب:22).


وليس أجمل من موقف سيدنا ابراهيم لما ترك السيدة هاجر وابنها في مكة هناك ، وولى ظهره عنهما ، فقامت إليه هاجر ،وتعلقت بثيابه و قالت :

يا إبراهيم : أين تذهب وتدعنا هاهنا ،وليس معنا ما يكفينا؟!،

فلم يجبها إبراهيم , فلما ألحت عليه ، وهو لا يجيبها ،

قالت له : آلله أمرك بهذا ؟، قال : نعم، قالت : فإذن لا يضيعنا. وهكذا فوضت أمرها لله

فجعل الله لها من كل ضيق مخرجا ، ومن كل هم فرجا .


و كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم كما في الصحيحين :

(اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِى إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِى إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ، رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ)


وفي قوله تعالى : { وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44 ) ( فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا }

دليل واضح على أن التوكل الصادق على الله ، وتفويض الأمور إليه ، سبب للحفظ والوقاية من كل سوء .


وجاء ذلك مبنياً في آيات أخر ، كقوله تعالى : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ } [ الطلاق : 3 ] .

وفي قوله تعالى : { الذين قَالَ لَهُمُ الناس إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فاخشوهم فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوكيل فانقلبوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سواء } [ آل عمران : 173174 ] .


وجاء في الأقوال المأثورة :

– عجبت لمن ابتلي بغم كيف يغفل عن قوله تعالى :

« لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ» ؟ الأنبياء (87) .

والله يقول بعدها : « فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ» الانبياء (88).


– وعجبت لمن ابتلي بضر كيف يغفل عن قوله تعالى :

« أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» الانبياء (83)

والله يقول بعدها ” فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ” الانبياء 84،


– وعجبت لمن ابتلي بخوف كيف يغفل عن قوله تعالى :

« وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» ؟ آل عمران (173)

والله يقول بعدها : “فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ” آل عمران 174 .


– وعجبت لمن ابتلي بمكر الناس كيف يغفل عن قوله تعالى :

” وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ” ؟ غافر(44)

والله يقول بعدها : (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ) غافر 45 .


أيها المسلمون


ومن قصص السابقين ، وحكايات الصالحين ، في تفويض الأمر لله ، ونتائجه :

ما جاء عن الإمام الشافعي رحمه الله :

فقد كان الشافعي يوماً جالساً مع تلامذته جلسة علم، وفجأة دخلت عليهم جارية بثياب رثة بالية وقالت:

– يا إمام.. أمتغافل بالليل.. وخطيب بالنهار ؟

فتفاجأ التلاميذ من كلام الجارية ونظروا نحو إمامهم منتظرين ردّه..

نظر الشافعي للجارية وقال لها بهدوء: يا جارية.. كم حسابك وتذهبين ؟

ثار التلاميذ وماجوا وأخذوا يطالبون الشافعي بردّ التهمة عنه.. ووسط هذا اللغط جاء رجل مسرعاً يقول:

– أسرعي أيتها الجارية.. بيتك يحترق وبداخله أبنائك!!!

صاحت الجارية وأخذت تركض نحو بيتها وخلفها الشافعي وتلاميذه.. وحين وصلوا دخل الشافعي وأنفذ الأطفال.. ولما رأت الجارية مروءة الشافعي وحبه للخير قالت بانكسار وخجل: – سأعترف لك – يا إمام- اليهود سلطوني عليك لأفعل هذا حتى تهتز صورتك وسط تلاميذك.

نظر التلاميذ نحو إمامهم متسائلين عن عدم نفي التهمة عنه، فردّ الإمام بثقة مطلقة: – لو كنت نفيت التهمة عني ستنقسمون إلى فريقين.. فريق لن يصدقني ويستمر في تكذيبي.. وفريق يصدقني ولكن يشك في صدقي… فأخذت أردد في نفسي: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ).. حتى كشف ربي عني ما أنا فيه من ظلم..


كما ذُكر أن سليمان عليه السلام كان جالساً على شاطئ بحر , فبصر بنملة تحمل حبة قمح تذهب بها نحو البحر , فجعل سليمان عليه السلام ينظر إليها حتى بلغت الماء فإذا بضفدعة قد أخرجت رأسها من الماء ففتحت فمها , فدخلت النملة وغاصت الضفدعة في البحر ساعة طويلة وسليمان يتفكر في ذلك متعجباً. ثم أنها خرجت من الماء وفتحت فمها فخرجت النملة ولم يكن معها الحبة. فدعاها سليمان عليه السلام وسألها وشأنها وأين كانت ؟ فقالت : يا نبي الله إن في قعر البحر الذي تراه صخرة مجوفة وفي جوفها دودة عمياء وقد خلقها الله تعالى هنالك , فلا تقدر أن تخرج منها لطلب معاشها , وقد وكلني الله برزقها فأنا أحمل رزقها وسخر الله تعالى هذه الضفدعة لتحملني فلا يضرني الماء في فمها , وتضع فمها على ثقب الصخرة وأدخلها , ثم إذا أوصلت رزقها إليها وخرجت من ثقب الصخرة إلى فمها فتخرجني من البحر. فقال سليمان عليه السلام : وهل سمعت لها من تسبيحة ؟

قالت نعم , إنها تقول: (يا من لا تنساني في جوف هذه الصخرة تحت هذه اللجة، برزقك، لا تنس عبادك المؤمنين برحمتك).

فإن من لا ينسى دودة عمياء في جوف صخرة صمّاء، تحت مياه ظلماء، كيف ينسى الإنسان؟


فعلى الإنسان أن لا يتكاسل عن طلب رزقه أو يتذمر من تأخر وصوله

فالله الذي خلق الانسان أدرى بما هو أصلح لحاله وكفيل بأن يرزقه من عنده سبحانه.


ففوض الأمر إليه تجده أقرب إليك منك ، وأرحم بك منك ، فهو أعلم بحالك منك

يا ابن آدم لا تدبر لك أمرا فأولو التدبير هلكى

فوض الأمر إلينا تجدنا أولى بك منك


وفي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-

« إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى فِيَّ وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي ».


أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم


الخطبة الثانية (فوض الأمر إلينا) ( وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ )

الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


أما بعد أيها المسلمون

وإليك قصة ذلك العبد الذي اشتراه أحد الأمراء وحين أخذه لبيته :

سأله ماذا تريد ان أطعمك؟ فأجاب: ما تشاء يا سيدي.. فأنت السيد وأنا العبد،

فسأله الأمير: وأين تريد ان تنام فقال: في أي مكان يا سيدي فأنت السيد وأنا عبدك،

فسأله الامير: وماذا تريد أن أكسيك؟ فقال: ما تشاء يا سيدي فأنت السيد وأنا عبدك .

وهنا أطرق الأمير برهة ثم تنهد وقال: آه لو أننا جميعا نستشعر مثل هذه العبودية مع الله تعالى الذي خلقنا ويتولى أمرنا! فحريّ بنا جميعا أن نكون مثل ذلك العبد.


أيها المسلمون


الكثير من مشاكلنا تحل بتفويض الأمر لله والتسليم لحكمه ، وهذا أعلى مراتب التوكل، ولكننا بغرورنا نصر على الاعتماد على ذكائنا في حلها..

فنضع أنفسنا في مقام الاعتراض على مشيئة الله تعالى، وكأننا ننازعه الأمر في كونه وخلقه، ذلك باختصار ما نفعله دون أن نشعر،

فالنفس الأمارة بالسوء نزّاعة لأن تضع نفسها في موضع المدبّر لكل شؤونها محاولةً الوصول لما تريد من أهداف ونتائج، ولذا لا تصفو لها عبادة، ولا يهنأ لها عيش، وهي جاهلةً أن فعل العبد لا يؤثّر في قضاء الرب،


وقمة الأدب مع الله أن نرضى بقضائه، وأن نصبر على بلائه، وأن نشكره عل نعمائه، وأن نفوض الأمر إليه .

و لكم في نبيكم أسوة حسنة و قدوة طيبة ، فلابد من تفويض الأمر لله ، والثقة بما عنده ، واليأس عما في أيدي الناس ، و أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك ،


فمن الذي سأل الله عز وجل فلم يعطه ، و دعاه فلم يجبه و توكل عليه فلم يكفه ، أووثق به فلم ينجه؟

فالعبد لا يؤتى إلا من قبل نفسه ، و بسبب سوء ظنه ، و في الصحيحين:

« إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِى ».

و الجزاء من جنس العمل ، ففوضوا الأمر لله ، وأحسنوا الظن بربكم ، وتوكلوا عليه تفلحوا ، فإن الله يحب المتوكلين .

الدعاء
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-