المجتمعات الحيوية ترتكز على قواعد صلبة ونخب فعالة ومحركة تدفع بها نحو الأمام ، غير منفصلة عن واقعها ومرتبطة بقواعدها ارتباطا وثيقا ، فهي لها بمثابة المنبع الرئيسي لأفكارها وتطلعاتها ، منها تخرج وبها تستمد حيويتها وبقائها.
النخب الفعالة تستهدي بها المجتمعات في أيام الأزمات ، نخب لها القدرة على التمييزبين الصالح والطالح ، لها القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة في الأوقات المناسبة ، نخب لا تؤمن بدغدغة العواطف ولا أهازيج الغوغاء ، نخب تقف مع الحق ولوكان ضد مجتمعاتها ، نخب لها القدرة على المواجهة والإملاء والإقناع والإنصات ، لاتعارض من أجل المعارضة ولا توالي من أجل الموالاة و لكن تعارض الباطل و توالي الحق ، نخب تمشي في الشارع وتستمد أفكارها منه وتدرس واقعه ولكن توجهه ولا يوجهها.
أما نخب الصالونات وموائد الحوارات نخب هشة ، إذا ما انجل عنها الغبار تعرت سوءتها ، وتبرأت من أفكارها ، نخب ليس لها القدرة على الثبات على مواقفها و إذا ما تعرضت للمحن ذابت في الشارع كذوبان الملح في الماء ، شرها أكثرمن نفعها في السراء أو الضراء ، بئس البطانة للحاكم وبئس الركيزة للمجتمع ، كم من زعيم أعمته عن الحقيقة وصنعت منه مستبدا وفي النهاية أرغمته على الخروج من الباب الضيق.
نخب تتلون كما يتلون الحرباء ، فإذا على نجم الحاكم طبلت له وزمرت ، وإذا سطع نجم الشارع كبرت وهللت وتقدمت صفوفه.
ليس بمثلها تتغير النظم وتتغير أحوال المجتمعات ، ما هي إلا سراب يحسبه الضمآن ماءا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
"Quand le doigt montre le soleil , l’imbécile regarde le doigt"
