أخر الاخبار

لماذا لا ينصرنا الله؟!

لماذا لا ينصرنا الله؟!

لماذا لا ينصرنا الله؟!
  
السؤال لا يأتي غالباً بهذا الإطلاق البريء، فهو مشحون بعاطفة جياشة ومحمّل بتناقضات تلح على عقول سائليه، إذ تجدهم يتساءلون في حيرة: أليس الله قادراً على إهلاك العدو بصاعقة أو هزة أرضية تفنيهم عن بكرة أبيهم؟ ألم يهلك الله أقواماً كثيرة أخبرنا عنها في كتابه وحذَّرنا من مصيرها؟ ألم يعد الله بنصرة المظلوم عندما يستنصره؟ وهل هناك من يعاني الظلم أكثر منا على وجه الأرض؟ ألم يعِد الله بالإجابة لمن يدعوه؟
- لننظر إلى أنفسنا أولا، فالقرآن الكريم الذي يقول "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" قد وضّح لنا الطريق في موضع آخر: "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"، فنصر الله مشروط بنصرتنا له، وسنن الله في الكون لا تُبدل إلا بمشيئته، ومن سوء الأدب مع الله تعالى أن نتجرأ لنطلب منه خرق هذه القوانين دون أن نبذل جهداً كافيا لتحقيق ما طلبه منا! والأسوأ هو أن نرفع أصواتنا طالبين من الله أن يحقق وعده: "وكان حقاً علينا نصر المؤمنين" وكأننا نريد تذكير الله بوعده!
- النبي صلى الله عليه وسلم نهى أصحابه عن استعجال النصر والتململ أولا، ثم وعدهم بالنصر، فعن خباب بن الأرت قال: قلنا يا رسول الله، ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ فقال إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه، ثم قال : والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون. 
وقال في حديث آخر "عجب ربك من قنوط عباده، وقرب غيثه فينظر إليهم قانطين، فيظل يضحك، يعلم أن فرجهم قريب".
- بما أننا متفقون على شعار “يا الله ما لنا غيرك يا الله” فلنستمع إلى صفات الموعودين بالتمكين التي حددها لنا الله قبل أن نطالبه بالنصر والحماية: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون* وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون}.
- النصر مرتبط جذريا بالصبر والمصابرة والرباط وإصلاح النفس: “يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله”، وبعد هذه الشروط الأربعة تأتي النتيجة: “لعلكم تفلحون”.
وهو مرتبط أيضا بالتوحد: “وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين”، وبإعداد العدة أيضا: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل”، حتى لو كانت وسيلة ردع فقط: “ترهبون به عدو الله وعدوكم”.
- على المؤمن أن ينفذ شروط خالقه ويبذل كل جهده للالتزام بسنن الكون التي وضعها له، ثم يترك بقية التفاصيل لله تعالى دون اعتراض فهو أدرى منه بالحكمة حتى لو ظهر له غير ذلك: “إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم”.
- في يوم الخندق اشتد البلاء على الصحابة ومعهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نزل الوحي يخبرهم أنهم لن ينالوا الجنة حتى يعانوا كما عانت الأمم السابقة من البلاء والظلم إلى درجة الزلزلة: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله"، وعندها فقط يأتيهم الجواب الإلهي: "ألا إن نصر الله قريب".
وقد نزلت هذه الآية بعد أن تكالب المشركون واليهود -الذين أمّنهم النبي- وتحالفوا جميعا لإبادة المسلمين: “إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا* هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً”، وفي هذه اللحظة ظهر إيمان المخلصين وكذب المنافقين: “وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً” وهذا ما بدأ البعض بترديده اليوم متسائلا عن تأخر نصر الله، لكن من سبق أن رسخ إيمانه قبل أن ينزل إلى ساحة المعركة ما كان ليقع في الفتنة: “ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً* من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً". 
وفي هذه اللحظة التي ثبت فيها المخلصون بالرغم من رؤيتهم للأحزاب وهي تتقدم بمئات الآلاف لتقضي عليهم، عندها فقط جاء نصر الله بمدد من السماء: "يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها"، فأنزل الله جنودا من الملائكة لتساند المؤمنين، ثم اشتدت الريح على الأعداء حتى أمر أبو سفيان قومه بالانسحاب.
وبعد هذه التجربة الروحية التي ثبت فيها المخلصون، كشف الله لهم حقيقة الاختبار: “ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما* ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا* وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا”، وهكذا أخر الله النصر حتى ينكشف المنافقون ويفتضح أمرهم، ويعود مشركو قريش وغطفان مهزومين بعد أن كفى الله المؤمنين شر قتالهم بإرسال بالريح والملائكة، أما الذين ظاهروهم من يهود بني قريظة ففضح الله خيانتهم حتى نقضوا العهد وانقضوا على المسلمين أملا بأن يبيدوهم عن بكرة أبيهم، فوجب عليهم القصاص حتى قتلهم النبي وأسر نساءهم وأطفالهم.
ولو أن النصر تحقق للمسلمين قبل وقوع هذه الشدة والبلاء وتحالف اليهود وانكشاف حقيقة المنافقين لكان نصرا منقوصا، لكنها الحكمة الإلهية، ولعل الله تعالى الذي نصرهم يومئذ قد أراد للأمة اليوم خيرا، فأخّر نصرنا في سوريا لينكشف حال الكثيرين، وينصلح حال آخرين، وتلحق الهزيمة النكراء بالعدو في نصر كامل غير منقوص.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-